في كل مساء، حين تدق الساعة نصف الليل، وتذوي الأصوات أتداخل في جلدي أتشرب أنفاسي وأنادم ظلي فوق الحائط أتجول في تاريخي، أتنزه في تذكاراتي
أتحد بجسمي المتفتت في أجزاء اليوم الميت تستيقظ أيامي المدفونة في جسمي المتفتت أتشابك طفلاً وصبياً وحكيماً محزوناً يتآلف ضحكي وبكائي مثل قرار وجواب أجدل حبلا من زهوي وضياعي لأعلقه في سقف الليل الأزرق.
زرنا موتانا في يوم العيد وقرأنا فاتحة القرآن، وللمنا أهداب الذكرى وبسطناها في حضن المقبرة الريفية وجلسنا، كسرنا خبزاً وشجوناً وتساقينا دمعاً و أنيناً وتصافحنا، وتواعدنا، وذوي قربانا أن نلقى موتانا في يوم العيد القادم. يا موتانا
كانت أطيافكم تأتينا عبر حقول القمح الممتدة ما بين تلال القرية حيث ينام الموتى والبيت الواطئ في سفح الأجران كانت نسمات الليل تعيركم ريشاً سحرياً
موعدكم كنا نترقبه في شوق هدهده الاطمئنان حين الأصوات تموت،ويجمد ظل المصباح الزيتي على الجدران.
جارتي مدت من الشرفة حبلاً من نغم نغم قاس رتيب الضرب منزوف القرار نغم كالنار نغم يقلع من قلبي السكينه نغم يورق في روحي أدغالاً حزينه بيننا يا جارتي بحر عميق بيننا بحر من العجز رهيب وعميق وأنا لست بقرصان، ولم اركب سفينه بيننا يا جارتي سبع صحارى وأنا لم ابرح القرية مذ كنت صبيا ألقيت في رجلَي الأصفاد مذ كنت صبيا أنت في القلعة تغفين على فرش الحرير وتذودين عن النفس السآمه بالمرايا الفارس الأشقر في الليل الأخير.
كانت تنام في سريري ، والصباح منكب كأنه وشاح من رأسها لردفها وقطرة من مطر الخريف ترقد في ظلال جفنها والنفس المستعجل الحفيف يشهق في حلمتها وقفت قربها، أحبها، أرقبها، أشمها النبض نبض وثني والروح روح صوفي، سليب البدن أقول، يا نفسي، رآك الله عطشى حين بل غربتك جائعة فقوتك تائهة فمد خيط نجمة يضيء لك يا جسمها الأبيض قل : أأنت صوت؟ فقد تحاورنا كثيراً في المساء يا جسمها الأبيض قل: أأنت خضرة منوّرة؟ يا كم تجولت سعيدا في حدائقك يا جسمها الأبيض قل : أأنت خمرة؟ فقد نهلت من حواف مرمرك سقايتي من المدام و الحباب و الزبد يا جسمها الأبيض مثل خاطر الملائكة تبارك الله الذي قد أبدعك.
هذا زمان السأم نفخ الأراكيل سأم دبيب فخذ امرأة ما بين أليتيّ رجل ..سأم لا عمق للألم لأنه كالزيت فوق صفحة السأم لا طعم للندم لأنه لا يحملون الوزر إلا لحظة ويهبط السأم يغسلهم من رأسهم إلى القدم طهارة بيضاء تنبت القبور في مغاور الندم نفن فيها جثث الأفكار و الأحزان، من ترابها يقوم هيكل الإنسان إنسان هذا العصر و الأوان.