شرط وجوب الحَجّ
يتمثّل شرط وجوب الحجّ بالاستطاعة
، وبيان ما يتعلّق فيها آتياً:[
تعريف الاستطاعة:
هي امتلاك القدرة الماليّة والبدنيّة، وتختلف باختلاف الناس، وما اعتادوا عليه، وضوابطها: قدرة الحاجّ على الركوب، وتأمين الراحلة، وامتلاك المؤونة والراحلة التي تناسب أمثاله، وأن تكون تلك القدرة زائدةً على نفقة مَن تلزمه نفقتهم، وعلى حاجاته الأصليّة.
حُكم الاستطاعة:
تُعدّ الاستطاعة شرطاً لوجوب الحجّ بإجماع العلماء؛ بدليل قَوْل الله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)؛
فقد ربط الله الوجوب بالاستطاعة؛ فمَن لم يستطع، فإنّ الحَجَّ لا يجب عليه، ولا تُعَدّ الاستطاعة شرطاً للأداء؛ فمَن حَجّ دون أن يجد الراحلة والزاد، صَحّ حَجّه، ووقع مُجزِئاً عن الحَجّ الواجب باتّفاق المذاهب الأربعة؛ بدليل أنّ بعض الصحابة -رضي الله عنهم- حَجّوا من غير أن يملكوا الزاد والراحلة، ولم يُؤمَروا بالإعادة، كما أنّ الاستطاعة شُرِطت؛ للتمكُّن من الوصول إلى مواضع الحَجّ، فالوصول وأداء الحجّ يُجزئ، وشُرِطت الاستطاعة أيضاً؛ لِرَفْع الحرج، فإن تحمّله الحاجّ، فإنّ حَجَّه يُجزئ. أقسام الاستطاعة: تتفرّع استطاعة الحاجّ بالنظر إلى وجوب الحَجّ إلى: القادر بالمال والبَدن؛ فيجب عليه الحجّ بنفسه، وذلك بإجماع العلماء. العاجز بالمال والبَدن؛ فلا يجب عليه الحجّ، وذلك بإجماع العلماء. القادر ببدنه دون ماله؛ فلا خلاف بعدم وجوب الحَجّ عليه، إلّا إن كان الحَجّ لا يتوقّف على المال، كمَن كان من أهل مكّة، ولا مَشقّة عليه في الخروج. القادر بماله دون بَدنه؛ بأن يكون عاجزاً ببَدنه عَجزاً لا يُرجى بُرؤه، فيجب عليه أن يُنيب غيره؛ لأداء الحَجّ، كما صرّح بذلك الشافعيّة، والحنابلة. شروط الاستطاعة: يُشترط في استطاعة الحجّ للرّجال والنّساء على حدّ سواءٍ ما يأتي: الاستطاعة الماليّة: وذلك بأن يملك الحاجّ الزاد، والراحلة، والنَّفَقة، وأن يكون ذلك زائداً على نَفَقة مَن تلزمه نفقتهم، وعلى حاجاته الأصليّة، وألّا يجب عليه أداء دَيْنٍ،[١٠] وذلك ما ذهب إليه الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة؛ واستدلّوا بقَوْل الله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)
فليس المقصود من قَوْله -تعالى- الاستطاعة البدنيّة؛ فلو أرادها الله لَما احتاج إلى ذِكْرها؛ لأنّ الله لا يُكلّف نفساً إلّا وُسعها، وبالنسبة إلى الراحلة، فهي شرطٌ لِمَن كان بعيداً عن مكّة مسافةً تجوز فيها قَصْر الصلاة، أمّا مَن كان قريباً منها، فلا تُعَدّ شرطاً بحقّه إلّا إن كان عاجزاً، وقد ذهب إلى ذلك الجمهور من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، بخِلاف المالكيّة؛ لأنّها مسافةٌ قريبةٌ، ولا مَشقّة فيها، والحاجات الأصليّة التي يجب أن تكون نفقة الحجّ زائدةً عليها،
هي: نفقة الأولاد، ومن تَلزم الحاجّ نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه، والمَسكن للحاجّ وأهله، وما يحتاج إليه مثله، كالخادم، وأثاث البيت، والملابس، بالإضافة إلى الدَّيْن؛ سواء كان حقّاً لله، كالزكاة، أو حقّاً للبشر؛ فهو أولى بالقضاء، وتجدر الإشارة إلى أنّ مَن وجب عليه الحَجّ، وامتلَك مالاً، وكان يريد الزواج، وماله لا يكفي إلّا لأحد الأمرَين، فإنّه يُقدّم زواجه على الحَجّ إن كان يتوق إليه، وخشيَ على نفسه الوقوع في الزنا وذلك باتّفاق العلماء؛ لأنّ مَن يتوق إلى الزواج ليس مُستطيعاً؛ وفي الزواج تحصينٌ من الوقوع في الزنا، فكان ذلك ضروريّاً كالنفقة، وترك الزواج في هذه الحالة تركٌ لواجبٍ، ووقوعٌ في مُحرَّمٍ؛ وهو الزنا، أمّا مَن كان معتدل الشهوة، فإنّه يُقدّم الحَجّ على الزواج عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة، وذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين من المُعاصرين؛ لأنّ الحَجّ يجب على الفور للمُستطيع، فيُقدَّم على الزواج الذي يُعَدّ سُنّةً، والواجب يُقدَّم على السنّة.
الاستطاعة البدنيّة:
وتعني صحّة البَدن، والقدرة على الركوب والسَّير؛ فمَن لم يستطع الثبات على الراحلة، والتمسُّك بها، فلا يجب عليه الحَجّ بنفسه؛ استدلالاً بما أورده الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-:
(كانَ الفَضْلُ بنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِن خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا وَتَنْظُرُ إلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ علَى عِبَادِهِ في الحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شيخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ علَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عنْه؟ قالَ: نَعَمْ، وَذلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ)،
ونقل الإمام القرطبيّ إجماع العلماء على ذلك. الاستطاعة الأمنيّة: والمُراد بها أن يأمن الحاجّ طريقه، وقد اختلف العلماء في أمَن الطريق؛ إن كان شرطاً للوجوب، أم للأداء بالنَّفْس، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:
القول الأوّل: قال المالكيّة، والشافعيّة غنّ أَمْن الطريق شرطٌ للوجوب؛ لأنّ الاستطاعة لا تتحقّق دونه.
القول الثاني:
قال الحنفيّة، والحنابلة إنّ أَمْن الطريق شرطٌ لأداء المسلم الحَجّ بنفسه؛ فمَن مات وكان قد استوفى شروط الحجّ جميعها إلّا الأَمْن، وجبت عليه الوصيّة بالحَجّ عنه.
وبالإضافة إلى الشروط السابقة، فإنّه لا بدّ من إمكان المسير؛ بأن تجتمع شروط الحَجّ في المُكلَّف مع وجود الوقت؛ لإدراك الحَجّ، والسَّير إليه، وعبّروا عنه بأشهر الحَجّ، أو وقت الخروج إليه، وقد جعله الجمهور من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة شرط وجوبٍ للحَجّ؛ لأنّه من الاستطاعة، ولأنّه بمنزلة دخول وقت الوجوب، ويختلف باختلاف أماكن الأشخاص؛ فيكون وقت الوجوب لكلّ شخصٍ عند خروجه، وقد جعله الحنابلة شرطَ أداءٍ.